السبت، 30 مايو 2009

مشكلة الأفلام الفائزة بجوائز مهرجان كان

من فيلم "كيناتاي" الفليبيني

في مقال سابق أبديت اعتراضي على فوز عدد من الأفلام في مهرجان كان بجوائز، وقلت إن نتائج التحكيم، خصوصا في المسابقة الرئيسية للأفلام الروائية الطويلة، جاءت مخيبة للآمال، ويتعين علي أن أفسر لماذا كان موقفي هذا.
لقد سبق أن أبديت رأيي باختصار في فيلم "الشريط الأبيض"The White Robbon الحاصل على "السعفة الذهبية" وقلت إنني وجدته عملا تقليديا ثقيلا على النفس والعين، وإنه لا يحمل أي جديد فيما يتعلق باللغة السينمائية بل ولا يمكن اعتباره من أفلام الرؤية لأنه باختصار، لا يحمل أي طموح في الشكل أو حتى في طريقة السرد السينمائي. وبالمناسبة "الشريط الأبيض" عبارة كانت تشير إلى "النقاء"، وهنا يمكن أن تكون مقصودة في الاشارة للنقاء العرقي.
أما فيلم "كيناتاي" Kinatay الفلبيني (ومعناها "الذبح" أو المذبحة)، فهو قد يكون من أكثر الأفلام التي شاهدناها عنفا بل وإغراقا في العنف. إنه يصور فساد الشرطة في مانيلا وما وصل إليه هذا الفساد من إيغال في الجريمة والعنف، من خلال عيني فتى في بداية حياته العملية في سلك الشرطة السرية، يجد نفسه وسط مجموعة من عتاة الشرطيين أو بالأخرى، المحرمين الذي لا يتورعون عن ابتزاز مروجي المخدرات والعاهرات مثل "مادونا" التي يعتقلونها ويأخذونها بعيدا إلى بيت منعزل في بلدة أخرى، لتعذيبها بشتى الطرق بسبب تقاعسها عن دفع الإتاوة المطلوبة مقابل حمايتها من جانب وحدة الشرطة السرية، ثم ذبحها وتقطيع أوصالها إربا في مشاهد من أبشع ما صورته السينما.
الفيلم مصور باستخدام أسلوب السينما التسجيلية: كاميرا مهتزة متحركة، لقطات خافتة الإضاءة مصورة داخل ديكورات طبيعية، ممثلون يؤدون كما لو كانوا يقومون بأدوارهم في الواقع، ولقطات صادمة.
الفيلم الذي يعكس ملامح الصدمة على ذهن ونفسية الشرطي الشاب المبتديء، لا ينتهي بصاحبنا وقد خرج كما دخل إلى هذا العالم القاسي الغريب الذي يسبب له الدوار، بل بعد أن أصبح عمليا، أكثر صلابة وقدرة على التحمل، مما يشير إلى أنه سيصبح مثل الآخرين، خصوصا بعد أن نال مكافأة مالية من رئيس وحدة الشرطة الذي قدم في الفيلم كما لو كان رئيسا لعصابة من القتلة والمجرمين.
لا يوجد شيء جديد في كل هذا سوى القسوة الشديدة الواضحة في مشاهد التعذيب والتنكيل، أما أسلوب ولغة الإخراج وطابعه التسجيلي فلا جديد فيها.
وحصل فيلم "حمى الربيع" The Spring Fever الصيني للو يي على جائزة أحسن سيناريو، ولا ندري حقا أي سيناريو هذا الذي تشيد به لجنة التحكيم، فهو سيناريو بدائي يدور حول ثلاثي تقليدي: الحبيبان والزوجة، والحبيبان هنا اثنان من المثليين الصينيين الذين يرتبطون معا بعلاقة حسية حميمية ساخنة، ويصورهما الفيلم في مشاهد "جرافيكية" مباشرة شديدة الوضوح وهما يمارسان الجنس بل ولا يتورعان عن المضاجعة حتى في الأماكن العامة، كما يصور غيرة الزوجة على زوجها ورغبتها في إفساد العلاقة بينه وبين ذلك "الآخر".
ويدور الفيلم في أوساط الشواذ الذين يكشف عنهم في مشاهد شبه تسجيلية، تدور في أوكار الشذوذ في بكين. وهو بهذا التصوير "السري" الذي دار بعيدا عن عيون السلطات الصينية، أصبح فيلما سياسيا بدرجة اساسية، لأنه يعكس أجواء التخفي والمطاردة التي يعيشها المثليون في الصين.
وهو في هذا شأنه شأن الفيلم الذي يحمل اسم إيران، وهو في الحقيقة من الانتاج الفرنسي بالكامل، أقصد فيلم "لا أحد يعرف شيئا عن القطط الفارسية" للمخرج بهمن قبادي، الذي صوره مخرجه أيضا سرا في العاصمة الإيرانية وضواحيها.
هذا المخرج تحديدا سبق لي أن كتبت عن فيلمه السابق البديع "نصف القمر" Half moon الذي يدور حول موسيقار كردي طاعن في السن هو "مامو" يرغب في الرحيل من كردستان ايران إلى كردستان العراق لتقديم موسيقاه هناك التي حرم من تقديمها منذ 35 عاما (أي منذ سيطرة البعث وصدام حسين على الحكم) في حفل كبير ينتظر أن يكون بحق احتفالا كبيرا بعودة الحرية.
غير أنه يتعين على "مامو" أولا أن يجمع شمل أبنائه العشرة، وهم في الوقت نفسه أعضاء فرقته الموسيقية، ويجد أيضا وسيلة تنقله إلى أعالي الجبال عبرالحدود، بمن فيهم "هشو" مغنيته الوحيدة التي تعرف ألحانه وتستطيع أداءها. غير أنه ليس مسموحا للمرأة بالغناء في إيران، ويتعين بالتالي أن يقوم مامو بإخفاء المغنية في مكان ما في الحافلة.

من فيلم "القطط الفارسية"

وفي الطريق تقع الكثير من الأحداث: يتعرض البعض للسرقة، وتقبض الشرطة على بعض الأبناء بعدهم إلى داخل البلاد بدعوى عدم حملهم تصريحا بالخروج معهم، ويصادر حراس الحدود الإيرانيين الآلات الموسيقية للفرقة ويحطمونها، ويقبضون على المغنية ويعيدونها من حيث أتت رغم توسل مامو واحتجاجه. ويلقى مامو مصيره قبل أن يحقق هدفه.
كان هذا الفيلم يعبر بصدق عن الثقافة الخاصة للمخرج ويعكس وعيه بقضية شعبه، تماما كما كان فيلمه الأسبق الرائع "زمن الجياد السكرانة" (2000).
أما فيلمه الجديد فقد أخرجه رغم منعه من العمل في إيران، لذا دار تصويره سرا، ولكن أيضا لأنه يصور كيف تسيطر موسيقى "الروك" الغربية على الكثيرين من الشباب الايراني، وتصبح قضية وجود، بل وحلما من أحلام المتشبثين بها، يرغبون بكل الطرق، اقامة حفلاتهم الخاصة في دولة تمنع مثل هذا النوع من الموسيقى والغناء بل وتحظر غناء النساء.
ولا يدعو الموضوع أصلا إلى التعاطف لأن "ابطال" هذا الفيلم الضعيف لا يعبرون عن تمسكهم بهويتهم بل يريدون بالأحرى، التخلي عن هويتهم التي تتأصل في الموسيقى الإيرانية والغناء الفارسي، لحساب التشبث بالموسيقى الغربية وايقاعاتها. وهي ليست في الحقيقة موسيقى أو أغاني "احتجاجية"، بل أحيانا أيضا تتردد كلماتها بالانجليزية وفي سياق عاطفي!
ويعاني الفيلم من الضعف الواضح في السيناريو بسبب فراغه واعتماده على ما وقع لشخصين في الواقع، دون اكسابه مادة درامية صلبة جيدة، ويختلق شخصية اليهودي "ديفيد" الذي كان يساعد البطلين على الهجرة إلى الخارج، إلى بريطانيا تحديدا، من أجل تقديم أغانيهما من نوع "الروك" أمام الجمهور اللندني، إلا أن السلطات الإيرانية تقبض على ديفيد، ثم تهاجم المنزل الذي يقيم فيه عشاق الروك الايراني حفلا موسيقيا مما يؤدي إلى انتحار البطل بعد ان يلقي بنفسه من النافذة.. فيالها من قضية تلك التي يموت من أجلها أولئك المناضلون من أجل الموسيقى الغربية والغريبة على الثقافة الإيرانية!
المشكلة الواضحة هنا لأي مشاهد هي أن قبادي خرج من بيئته الطبيعية في كردستان، ومنطقة الحدود مع العراق، وفقد بالتالي معرفته الوثيقة بجمالياتها: الضوء والتكوين والمحيط الطبيعي أي الفراغ والإيقاع الخاص بالمنطقة وسكانها بل واللغة أيضا، وبدا وكأنه يصنع فيلما دعائيا عن عالم لا يعرفه، وعن موسيقى لا يؤمن بها حقا. هذا الفيلم مصنوع صنعا من أجل إرضاء الدوائر الغربية في حملتها السياسية ضد الدولة الإيرانية، ولذلك فالفيلم يفتقد إلى الصدق الفني، ويبدو اطول كثيرا من موضوعه، بل ويشيع فيه أسلوب الإعلانات التليفزيونية والأغاني المصورة، والخلل في إيقاعه العام، بسبب الاستطرادات والتنويعات التي يقدمها على نفس النغمة طيلة الوقت. والغريب أن يفوز هذا الفيلم في كان بجائزة خاصة من لجنة تحكيم قسم "نظرة خاصة".
أما جائزة لجنة التحكيم فقد حصل عليها فيلم "حوض الأسماك" Fish Tank البريطاني وهو يستحقها دون شك، لكنه تقاسمها مع فيلم آخر هو "عطش" لبارك تشان ووك من كوريا الجنوبية، وهو فيلم اثار استياء الجميع، فهو يروي قصة تحول قس إلى مصاص دماء، ويبدو مثل "نكتة" طويلة سخيفة، واعتبر من أسوا أفلام المسابقة.
لكن "التوازنات" الضرورية داخل لجنة التحكيم التي ضمت خمس ممثلات أدت إلى اقتسامه الجائزة، وهكذا خرجت أفلام مثل "الانتصار" Vincere و"البحث عن إريك" Looking for Eric و"الحشائش البرية" Wild Grasses و"عناقات مهشمة" Broken Embraces من مولد كان بلا جوائز!
وخلاصة القول أن مسابقة مهرجان كان التي شهدت تنافسا ساخنا بين عدد من الأفلام الجيدة، انتهت بنتائج هزيلة بعيدة تماما عما هو متوقع ومنتظر.

1 comments:

Omar Manjouneh يقول...

تحياتى أستاذ أمير,
اعتقد أن أساس المشكلة كان عدم
التوفيق فى اختيار أعضاء لجنة التحكيم , خمس ممثلين/ممثلات هو عدد كبير تضمه لجنة تحكيم واحدة. بينما المفترض أن يتواجد عدد أكبر من المخرجين/كتاب السيناريو فهم أقدر على تقييم كافة جوانب العمل السينمائى بعكس الممثلين الذين يهتمون بأدائهم فقط وهذا يعكس التوفيق فى اختيار جوائز الممثلين بعكس باقى الجوانب حسب اراء كل النقاد الذين قرأت لهم تقريبا.
عمر منجونة

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger