الأربعاء، 13 مايو 2009

يوميات مهرجان كان 1


حمى الأبعاد الثلاثة وبداية المارثون في كان

وصلت بعد ظهر الثلاثاء إلى كان قادما من لندن، وكان أمامي وقت طويل للتأهب والاستعداد بل والاستكشاف أيضا: كيف تبدو المدينة، وما الذي تغير، وماذا سيحدث؟
للوهلة الأولى وأنا مازلت في مطار نيس، أقرب مدينة "حقيقية" إلى كان "الأسطورية"، لاحظت الزحام الكبير في أعداد القادمين.
وبعد وصولي كانت الاستعدادات على قدم وساق للافتتاح المنتظر مساء الأربعاء. كانت المدينة ترتدي أبهى حلة لديها استعدادا للعرس السينمائي الكبير. لم يكن هناك شيء نشاهده كما اعتدنا من قبل، ففيلم الافتتاح لن يعرض قبل صباح الأربعاء للنقاد والصحفيين في عرض خاص لاتاحة الفرصة للكتابة عنه، فالعرض الرسمي في الافتتاح كما هو معروف، يقتصر على الضيوف والشخصيات السينمائية اللامعة والنجوم.
المشهد العام حول قصر المهرجان صباح الأربعاء يختلف تماما عنه في المساء لحظة صعود النجوم السلالم فوق البساط الأحمر، تقليعة كان التي انتشرت خلال السنوات الأخيرة إلى عدد كبير من المهرجانات خاصة مهرجانات الدول الفقيرة في الإنتاج السينمائي، فماذا تبقى لها سوى البساط الأحمر. وأصبحا "صرعة" البساط الأحمر مجالا للحديث والأخذ والرد والتباهي من جانب مدير مهرجانات الدويلات "محدثة النعمة" التي قفزت من داخل "القفة" إلى السلالم الحمراء مباشرة، ومن على رأسه بطحة سيتحسس رأسه على الفور، والقاريء يفهم ما نقصده بغير معاناة!
فيلم الافتتاح "إلى الأعالي" Up.. أي أعالي الجبال، هو الفيلم الأول من نوعه الذي يفتتح به مهرجان كان في تاريخه كما هو معروف وكما نشرنا قبل أكثر من شهر قبل أن يصبح الخبر "مشاعا". فالفيلم من أفلام الرسوم المصنوعة بتقنية الأبعاد الثلاثية. وكان لابد أن نرتدي نظارات خاصة للتمكن من مشاهدته والاستمتاع به.
ودونما حاجة إلى استطرادات كثيرة يمكنني القول أن الفيلم تحفة حقيقية وعمل فني رفيع من جميع النواحي. ولم أدهش إذا ما حقق في عروضه العالمية عشرات الملايين، فهو "تجربة" فريدة في المشاهدة، ليس فقط لأنه مصور بتقنية اصورة المجسمة بل لأن حجم الخيال فيه يفوق كل ما عرفناه من قبل، ودقة التصوير واستخدام الزوايا لتقديم أكبر جرعة من الاثارة والمتعة بما يتناسب تماما مع الرؤية المجسمة من أكثر ما يميز هذا الفيلم.
خيال سيريالي وحشي جامح، هذه المرة بطله رجل عجوز متقاعد، أي نقيض البطل التقليدي، يصادق طفلا يافعا من المتطوعين لمساعدة المسنين، يهرب من قضية تورط فيها، بمنزله بعد أن يربطه بآلاف البالونات، فيصبح المنزل طافيا في الفضاء ينتقل من بلد إلى آخر إلى أن يصل إلى بقعة شديدة التوحش في أعالي جبال أمريكا اللاتينية، يعتبرها البطل-اللابطل بمثابة "الجنة" المنشودة.
مع بطليه من البشر هناك الحيوانات الذكية المتكلمة مثل الكلب والبجعة وعشرات الكلاب الأخى التي تسخر قواها الخاصة في خدمة الشخصية الشريرة قبل أن تتحول في النهاية إلى جانب الخير.

الفيلم تكلف 150 مليون دولار وثورة الديجيتال المجسم ستمتد على استقامتها دون شك في عدد كبير من الأفلام الأخرى القادمة التي يستعد لإخراجها بعض الأسماء الكبيرة في عالم السينما على رأسها ستيفن سبيلبرج.
شاهدت فيلمين في السوق الدولية للأفلام التي تعرض أكثر من ألف فيلم هذا العام أولهما "الرسول" The Messenger وهو فيلم أمريكي للمخرج أورين أوفرمان، وبطولة وودي هارلسون وجينا مالون، وهو عن مأساة أسر الجنود الأمريكيون الذين يفقدون حياتهم في العراق من زاوية جديدة تماما.
والفيلم الثاني "الخسوف" The Eclipse وهو فيلم ايرلندي من اخراج كونور ماكفرسون، وهو من نوع الدراما النفسية إذا جاز التعبير، وفيه بعض الرعب وبعض الرومانسية، واخراجه متقن للغاية، وبطولة ممثلة عبقرية الأداء لم يسبق أن رأيتها من قبل هي الدنماركية إيبين جيجل!
أما الفيلم الأول في المسابقة الذي عرض مساء الأربعاء فهو الفيلم الصيني "حمى الربيع"The Spring Fever للمخرج لو يي الذي شاهدنا فيلمه السابق هنا في مسابقة كان 2006 وهو فيلم "القصر الصيفي"The Summer Palace الذي منعته السلطات الصينية لأنه كان أول فيلم يخرج من الصين، يصور بالتفصيل قمع انتفاضة ساحة تيانامن في بكين 1989. وقد منع المخرج من العمل لمدة خمس سنوات إلا أنه استطاع تحرير نفسه من العمل مع المؤسسات الرسمية في بلاده، وتحرر بالتالي من القيد الذي يحد من حريته بعد أن عثر على تمويل فرنسي ومن هونج كونج لصنع فيلمه هذا الذي يقتحم منطقة شديدة الخطورة في السينما الصينية، ففيلمه عن علاقة جنيسة متشابكة ومعقدة بين شابين ويحتوي على مشاهد تفصيلية صادمة حتى بالمقاييس الأوروبية للجنس المثلي.
والحديث عن "حمى الربيع" لا يصلح من خلال هذه اليوميات بل سأعود إليه فيما بعد عندما أتناول أفلام المهرجان بالنقد والتحليل في موضع آخر.
ولعل ميزة اليوميات أنها تحررني من قيود النقد الصارمة، والتغطية الصحفية المحددة الهدف، وتصبح سباحة في الدنيا وتحليق حر في السينما والحياة، باعتباري هاويا قديما للسينما أساسا وقبل أي شيء آخر!

2 comments:

Omar Manjouneh يقول...

تحياتى أستاذ أمير وفى انتظار تغطيتك للمهرجان بشغف.
عمر منجونة

غير معرف يقول...

بكل أسف ياعزيزي عمر لا اظن انه سيكون هناك نقد من النوع الثقيل في هذه المدونة واذا استطعت كتابة اليوميات الخفيفة سيكون ممتازا لانني مشغول في عمل ثقيل للاذاعة والتليفزيون.. سأحاول ربما بعد نهاية المهرجان..

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger