الخميس، 19 مارس 2009

فيلم "القاريء" والمنظمات اليهودية والأوسكار

لو قدر لي ترشيح ممثلة لجائزة الأوسكار لأحسن ممثلة لكنت قد رشحت كيت بلانشيت عن دورها في فيلم "الحياة الغريبة لبنيامين بوتون". ولكن الغريب أنه رغم ترشيح الفيلم لثلاث عشرة جائزة إلا أن بلانشيت لم ترشح عن دورها فيه لجائزة أحسن ممثلة. ولاشك أن أداء بلانشيت يفوق كثيرا أداء براد بيت الذي رشح لأحسن ممثل عن دوره في الفيلم نفسه، وهو دور لاشك في صعوبته، غير أن التكيف مع الدور المكتوب ببراعة والذي ساهم الماكياج والمؤثرات الخاصة في إبرازه شيء، والإبداع في الدور وإكسابه أبعادا إضافية من عند الممثل شيء آخر، وهو ما أرى أن براد بيت لم يفعله بل قدمته كيت بلانشيت ببراعة.
ولاشك أيضا أن أداء بلانشيت في الفيلم المشار إليه، وهو بالمناسبة أحد الأفلام "الفلسفية" القليلة التي خرجت من هوليوود حديثا، أقوى وأبرز وأهم من أداء كيت ونسليت في فيلم "القاريء" دون أن يعني هذا بأي حال، التقليل من براعة ونسليت في تقمص الدور، وإضفاء مسحة من الحزن الغامض والألم النبيل عليه.
ولكن الغريب أن الفيلم نفسه، الذي رشح لخمس جوائز رئيسية هي أحسن فيلم وإخراج وسيناريو (معد عن أصل أدبي) وتصوير وتمثيل نسائي، لم يحصل سوى على الجائزة الأخيرة، رغم تفوقه في نواح أخرى كثيرة على فيلم "مليونير العشوائيات" الذي حصد ثمانية جوائز رئيسية وفرعية، كذلك الأمر بالنسبة لفيلم "بنيامين بوتون" الذي لاشك أنه يتفوق كثيرا في التصوير والسيناريو على فيلم "المليونير" المقرر له مسبقا الفوز بكل الجوائز الرئيسية لأنه النوع المطلوب تسويقه هذا الموسم.. بعيدا عن الفلسفة والتاريخ ومغزى الحياة ومعنى الموت.
أما فيلم "القاريء" فلاشك أنه يعد من الأفلام الأكثر جرأة التي خرجت من هوليوود عما يسمى بـ"الهولوكوست"، والمقصود أنه يتجاوز كل الأنماط والقوالب المألوفة الشائعة التي صورت الألمان، خصوصا ذوي الماضي المرتبط بالنازية منهم.
هنا نحن أمام سيدة جميلة، حزينة، فيها من الضعف الكثير رغم أنها تتظاهر بالتمسك بقيادة العلاقة العاطفية الملتهبة التي تقيمها مع شاب في عمر ابنها والسيطرة عليها وتوجيهها.
وهي تختلف أيضا عن مثيلاتها من الألمانيات اللاتي تعاون مع النظام النازي في كونها بسيطة، كانت تبحث عن عمل لكي تتعيش منه، وأن علاقتها بمعسكر الاعتقال الجماعي (أوشفتز) الذي عملت به لا تتجاوز أداء وظيفة من أجل التعيش وليس نتيجة لأي دافع أيديولوجي. وهي تحمل أيضا من النبل ما يجعلها ترفض الادعاء بعدم معرفة مصير السجناء الذين كان يتعين عليها اختيار البعض منهم (عشرة أشخاص) كل شهر لكي يذهبوا للإعدام.
هذه الصورة الإنسانية الجديدة تكتمل مع الجانب الآخر، الذي قد يكون الأهم هنا، وهو الرجل.. أي مايكل الذي يرتبط بها وتتغير حياته إلى الأبد نتيجة علاقته بها، ويظل يشعر بنوع من المسؤولية تجاهها حتى بعد أن يحكم عليها بالسجن المؤبد. هذه العلاقة الممتدة في ذاكرته إلى النهاية، قد تكون السبب في فشل زواجه، وفي شعوره المؤرق الدائم الممتد، خاصة بعد أن يتقاعس عن تقديم شهادته التي كان يمكن أن تنقذ المرأة من مصيرها التراجيدي.. حينما تضطر للاعتراف أمام المحكمة التي حاكمتها بعد سنوات طويلة من نهاية الحرب العالمية الثانية، بمسؤوليتها كتابة أمر بسوق 300 امرأة يهودية إلى داخل كنيسة يتم تفجيرها وقتلهن جميعا، في حين أنها لم تكن في الحقيقة تستطيع أن تكتب أي أمر لأنها ببساطة شديدة "أمية" لا تكتب ولا تقرأ، وهي لم تشأ أن تفضح جهلها أمام المحكمة، إحساسا منها بالعار كونها أمية فأقرت بمسؤوليتها عن كتابة الأمر، وأدانت بالتالي نفسها.
ربما تكون هذه هي المرة الأولى في السينما التي يصبح مسموحا به في فيلم "غربي" من أفلام التيار العريض بأن يقع رجل ألماني في حب امرأة ألمانية ترتبط بالنازية بأي شكال من الأشكال، بل ولا تبدو نادمة على ما صار "فالموتى سيبقون أينما هم" على حد تعبيرها، ولم يعد ينفع التفكير فيما وقع. وعندما يسألها مايكل عند زيارته لها في السجن قبيل الإفراج عنها عما تعلمته من تجربة السجن، تجيب أنها تعلمت القراءة!
إذن هنا نموذج إنساني لامرأة جذابة، تحتضن الفتى وتقيم معه علاقة جسدية مليئة بالمشاعر، ثم تقرر الاختفاء من حياته عندما تدرك أن علاقتها به قد تدمر مستقبله، وتواصل حياتها بعد الحرب دون أي شعور بالندم لأن عملها مع النازيين كان بدافع العيش وليس إيمانا بالنازية شأنها شأن ملايين الألمان، ورغم تضاؤل مسؤوليتها إلا أنها تتحمل بشجاعة المسؤولية كاملة حتى بعد أن يصدر الحكم بسجنها مدى الحياة. ومفهومها للوظيفة والإخلاص لها مفهوم بسيط يتسق مع شخصية امرأة أمية، بل وعندما يسألها القاضي ما إذا كانت تعرف أن السجناء الذين كانت تختارهم سيمضون إلى الموت، ترد عليه بقولها: وماذا كنت ستفعل أنت!
وهي تنتحر قبيل الافراج عنها بعد أكثر من 20 عاما في السجن، بعد أن تدرك أنه لم يعد لديها ما تفعله في الخارج، وأن الهوة واسعة بينها وبين حبيبها السابق الذي ظلت بالنسبة إليه "ذكرى" ولم تعد حقيقة يمكنه التعامل معها.
كان من الطبيعي والفيلم على هذا النحو، أي كعمل سينمائي يتخلص تماما من "التركيبة" النمطية المألوفة لشخصية الألمانية أو الحارسة في معسكر اعتقال بسمعة "أوشفتز" الرهيبة، أن تنبري المنظمات اليهودية للهجوم المنسق عليه.
رون روزنباوم مؤلف كتاب "شرح هتلر"، الذي يحلل فيه كيف تمكن هتلر من كسب تأييد الشعب الألماني، قال إن الفيلم "غير دقيق" ووصفه بأنه "أسوأ فيلم ظهر عن الهولوكوست"، وطالب أعضاء مؤسسة الأوسكار بتجاهله. وأضاف قائلا: إن الفيلم "يطالبنا بالتعاطف مع امرأة مارست القتل الجماعي دون أن تبدي أي شعور بالندم". واتهم الفيلم بأنه يروج أن الألمان العاديين لم يعرفوا شيئا عن سياسة هتلر في الإبادة الجماعية إلى ما بعد الحرب.
وقد أيده في رأيه مارك فايتزمان، رئيس فرع نيويورك للمنظمة التي تعرف باسم "مركز سيمون فيزنثال" على اسم اليهودي النمساوي الذي تخصص في تعقب النازيين السابقين. وقال فايتزمان إن فيلم "القاريء" هو ضمن مجموعة من الأفلام التي أنتجت في هوليوود حديثا وتتسم بخطيئة "التشكيك فى الهولوكوست".
ودعا عدد من المنظمات اليهودية الأمريكية أنصارها إلى الاحتجاج على الفيلم لدى الأكاديمية الأمريكية التي تمنح جوائز الأوسكار، واستغل أنصار الأفلام الأخرى المنافسة الموقف وأرسلوا الآلاف من رسائل البريد الالكتروني إلى "الأكاديمية" طوال الأسبوعين اللذين سبقا إعلان الجوائز، يستنكرون فيها ترشيح الفيلم لجوائز الأوسكار، ويطالبون بإسقاطه. وهكذا خرج "القاريء" من مولد الأوسكار دون جوائز سوى جائزة الممثلة كيت ونسيلت التي سبق أن صرحت بقولها إنها رشحت كثيرا في الماضي دون أن تحصل على الجائزة أبدا ولذا فقد قامت هذه المرة ببطولة فيلم عن الهولوكوست لكي تزيد فرصتها في الحصول على الجائزة، وهو ما يعني أن أفلام الهولوكوست عادة "تكسب".. لكن يبدو أن الأمر لم يكن كذلك هذه المرة!
من جهة أخرى توقعت صحيفة "ديلي تليجراف" البريطانية أن تؤثر تلك الحملة على مستقبل مخرج الفيلم ستيفن دلدري (مخرج فيلم "بيلي إيليوت" الجميل)، وكاتب السيناريو الشهير ديفيد هير أحد كبار كتاب ومخرجي المسرح الانجليزي.

6 comments:

غير معرف يقول...

برأيي "المليونير" أفضل من "القارىء" بمراحل وفوزه كان محسوماً فهو الرابح السنوي الأكبر, سواء أعارضوا "القارىء" أم لا كان هذا الفيلم سيخسر أمامه
وبكل موضوعية أقول أن "القارىء لا يستحق أياً من النجاح الذي لاقاه! هذا الفيلم ليس سوى عبور للتذكير العالم من جديد بعذابات اليهود, السيناريو الذي يمكله مشتت لا توجد فيه أي فكرة أو على الأقل لا توجد معالجة مضبوطة مبتكرة لها وحتى هو سريع في تحليل نفوس شخصياته .......... أما دور كايت ونسليت فهو إستحق الأوسكار بنظري, بلانشيت دورها رائع أيضاً لكن أراها كانت تستحق الترشح في خانة الأدور المساعدة!! لم يكن دورها طويلاً

غير معرف يقول...

إلى القاريء المجهول الذي لا يريد أبدا أن يكتب اسمه حتى نتعرف عليه والمعجب جدا بفيلم المليونير أقول له إن الآراء في الافلام تختلف والتعصب أمر مقيت ونحن لسنا في مباراة للنمفاضلة بين فريقين أو لاعبين بل النقد ثقافة وعلم وذوق وقد قلت رأيي في فيلم المليونير ولا أريد أن أظل أردده كأن بيني وبينه ثأرا، لأسباب شخصية، فليس هناك أي سبب شخصي لا هنا ولا هناك ولا داع للاصرار على المقارعة فأنا لن أغير رأيي في فيلم المليونير الذي تبدي انت اعجابا هائلا به لمجرد تكرار التحدي والنزال (دون أن تذكر اسمك ألبدا.. أقصد الاسم الحقيقي بالطبع) ولن تغير أنت رأيك في فيلم القاريء ولا اريدك أن تغير رأيك فيه فهذه المدونة لي لتعبير عن آرائي ما يعجبك منها وما لا يعجبك.. وكفامنا تضييعا للوقت في الدوران جول محور واحد طول الوقت هو محور مليونير العشوائيات!!

خيرالدين يقول...

أستاذى اتابع المدونه منذ فتره وأعجبنى جدا تحليلك للفيلم خاصه فى تناول شخصيه هانا المرأه البسيطه الجذابه
والمكتوبه اساسا بشكل جميل وأداء كيت وينسلت المميز لها
بصراحه لأ أستيطع تخيل نيكول كيدمان فى هذا الدور

أحمد

dr.lecter يقول...

انا شفت القاريء وماخبيش عليك انه عجبني جدا اه هو دعائي طبعا للهولوكست زيه زي defiance اللي اتعرض السنه دي

وزي افلام قديمه زي شندلر وعازف البيانو


لكن الجديد هو نقطه ان فيه تعاطف مع واحده من النازيين وقصه حب انا شايف انها جميله صحيح ان اساسها كان الجنس لكن اتولد بعده حب حقيقي


في اعتقادي ان فيه جهه المانيه شاركت في انتااج الفيلم بجانب سيدني بولاك وانتوني مينجيلاا معرفش الاعتقاد ده علي اساس ايه

لكن الفيلم بيحاول يعمل تصالح مع ماضي المانيا وحاضرها وان دي فتره وعدت وخلاص واحنا ولاد النهارده علي راي المصرييين

شيء غريب ان كيت وينسلت لما اترشحت للجولدن جلوب اترشحت علي افضل ممثله مساعده ؟ طب ازاي؟ ده الفيلم كله عنها هي والصبي

رالف فينيس مشاهده الاخيره تستحق التصفيق والترحيب

اكرر مره اخري انا ضد الافلام الدعائيه لكن لما الاقي فيلم راقي زي ده ومتقدم بشكل مقبول بالنسبه لي علي الاقل ماقدرش امنع نفسي اني اشوفه ولاحظت ان الفيلم بدات مقدماته تالاعلانيه تنزل مصر ومستغرب هيتعرض ازاي لان فيه جزء كبيير هيتم قطعه من الرقابه لكن ارجو مايكونش نفس مصير فيلم ميونيخ لما نزل مصر


الفيلم انا اسمتعت بكل دقيقه فيه بصراحه بس اكييد ماينافسش افلام زي المليونير المتشرد او حاله بنجامنبوتن


وشايف ان فيه فيلم اتظلم جدا وهو doubt اللي خرج بدون اي جائزه وكان الاحق به انه يترشح لافضل فيلم لقوته الشديده



حضرتك من الناس اللي احنا بنتابع نقدها دايما خاصه فغي منتديات السينما العالميه في موقع ايجي فيلم الشهيير بجد انا مبسووط اني لقيت مدونتك

غير معرف يقول...

الصديق الذي يوقع باسم دكتور ليكتر (لديه مدونة بالإسم نفسه).. أشكرك على مبادرتك بالكتابة وإبداء الرأي والحقيقة أن الفيلم فعلا من الانتاج المشترك الألماني البريطاني أي أن هناك كما تقول شركة انتاج المانية طرف مباشر في انتاج الفيلم. وهو مأخوذ عن رواية ألمانية تدور أحداثها في ألمانيا. أختلف معك في كونه دعائيا فهو أقل كثيرا جدا في تصويره للهولوكوست أو لما وقع لليهود من فيلم مثل قائمة شندلر فموضوعه (للمرة الأولى) ليس اليهود بل سيدة المانية حدث انها كانت في الماضي تعمل في احد معسكرات الاعتقال النازية دون أن تعتنق النازية تحديدا. وهو موضوع جريء يطرح للمرة الأولى الأمر الذي أثار غضب المنظمات اليهودية كما أشرت. أما عرضه في مصر فممكن لكن المؤكد أنهم سنيستبعدون منه الكثير من المشاهد بسبب الجنس والعري وبسبب ان الجنس يحدث بين صبي وامرأة (وهو أمر يعد من المحرمات ي الثقافة العربية التي تعشق النفاق كما تعرف أنت وأنا).. أليس كذلك!

غير معرف يقول...

الأستاذ أمير العمرى أحييك على مراجعتك للفيلم والحقيقة أنى لم أرى القارئ حتى الأن لكنى بكل تأكيد أرى أن (قضية بينجامين بارتون) أحق من الميليونير فى الفوز ولا أعلم لماذا هذا التجاهل لديفيد فينشر حتى الأن لكن فى النهاية يبقى أن الميليونير قد حقق توليفة (جماهيرية) جيدة مليئة بكل الأصناف المحببة لدى الجمهور و مصاغة باسلوب متميز من المخرج دانى بويل لكن على صعيد النقاد و الجوائز هناك من يستحق الاهتمام أكثر. وتقبل تحياتى الحارة.
عمر منجونة

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger