الجمعة، 9 يناير 2009

الواد سيد الشغال يتدخل في غزة!



إذا كان عادل إمام قد اكتفى بالقيام بأدوار كوميديا التهريج الرخيص في السينما المصرية، كان من الممكن قبوله والاقتناع به، تماما كما تعايشنا وقبلنا مهرجين آخرين تطول قائمة أسمائهم في تاريخ السينما المصرين، وإن كان بعض أصحاب الأذواق المتدنية يجدونهم مضحكين ومسلياتية.. لكنه – بكل أسف- صدق نفسه، وصدق ما يخلعه عليه بعض أصحاب الأقلام المتهافتة من أوصاف ومبالغات، وتصور أنه يستطيع القيام بدور سياسي في الواقع أيضا تحت راية "الزعيم" والبطل و"الواد الجامد" أمام الكاميرات بالطبع.. وما إلى ذلك.
غير أن المشكلة الحقيقية التي تغيب عن بال عادل إمام، بثقافته المحدودة جدا ووعيه البدائي البسيط الذي ينحصر في الحصول على أكبر قدر من المنفعة الشخصية في كل الأحوال والعهود، أن الدور السياسي الحقيقي الذي يمكن أن يلعبه فنان أو ممثل أو سينمائي أو رجل مسرح، ليس هو دور الممالئ للسلطة أيا كانت، ولا دور المهرج الذي يقلد المسؤولين في جلساتهم ويضحكهم على أنفسهم، كما فعل ويفعل عادل إمام منذ "مدرسة المشاغبين" أي منذ أن تحول إلى القيام بدور واحد طوال الوقت هو "مسلياتي أصحاب السعادة"، بل دور المعبر بحق عن ضمير الشعب وعن آمال وآلام هذا الشعب وكل شعوب الأرض.
لكن لا مانع من أن يتظاهر عادل إمام بالنقد السياسي، بل وبالرفض السياسي أيضا فربما سهل له بذلك إرضاء نرجسيته التي تصور له- أمام الناس- أنه بالفعل أصبحت له كلمة فوق كلمة السلطان، ولكنه يعلم الحقيقة ويعلم محدودية دوره وشأنه لدى أصحاب السلطان، وانهم يستخدمونه فقط للتنفيس والتمرير الزائف بل وأحيانا، للسخرية من الناس أيضا والإساءة إليهم كما في "الإرهاب والكباب" مثلا. وربما يكون فيلمه الشهير "السفارة في العمارة" أكثر أفلامه شعبوية وضحكا على ذقون السذج والجهلاء من أصحاب الذوق السقيم الذين أمكنهم ابتلاع أكذوبة أن عادل إمام يعارض التطبيع مع إسرائيل، بينما الفيلم في الحقيقة يسخر من القوى الوطنية المصرية ويعرض بها تعريضا سمجا ثقيل الظل، ويخدم كل أغراض وسياسات الحكومة بل ويخلع على ضباط الأمن صفة شديدة الرونق والإنسانية.
اعتاد عادل إمام على التعامل مع كتاب سيناريو "خصوصيين" منهم وحيد حامد الذي ظل كاتبه الملاكي لسنوات، ثم تضاءلت قيمة الذين يكتبون له الآن وهبطت إلى مرتبة الكاتب الإذاعي "الفوري" غير الموهوب يوسف معاطي، الذي لا يجد لديه متسعا من الوقت لكتابة ما تتطلبه ماكينة أفلام عادل إمام فيلجأ أيضا إلى "الشطارة" و"الفهلوة" وأشياء أخرى تُنظر فصولها حاليا أمام القضاء.
إن ممثلين في حجم شارلي شابلن وفانيسا ريدجريف ومارلون براندو وجليندا جاكسون، اكتسبوا قيمتهم الحقيقية من الوقوف مع الناس، مع جمهورهم الحقيقي من الطبقات الفقيرة والمتوسطة واتخذوا من المواقف ما يشعل هذه الجماهير بنور المعرفة والتنوير وتصدوا للمؤسسة القمعية وكان يتعين على البعض منهم ايضا أن يدفع الثمن، ولم يقفوا إلى جانب المؤسسة الحاكمة.
لقد آثر عادل إمام الذي لم تعرف عنه أي اهتمامات سياسية تتجاوز السائد المبتذل في الإعلام الرسمي، ألا يكتفي بدوره المناسب تماما وهو "الواد سيد الشغال" بل خرج علينا أخيرا لكي يعلق ويحلل ويعلن موقفا يتطابق مع الموقف الرسمي المتخاذل للمؤسسة وللإعلام الرسمي في مصر، وهو الموقف الذي يبرر لإسرائيل هجمتها الأخيرة، ويلتمس لها الأعذار، دون أن يبدي أي نوع من التعاطف الإنساني حتى مع الضحايا الذين تسيل دماؤهم أنهارا في غزة اليوم.
وقد بلغ سقوط عاد إمام أنه أخذ أيضا يدين مظاهرات الغضب التي اندلعت في بلده احتجاجا على ما يجري من مذابح جماعية في غزة. وهو موقف يرد عليه موقف الفنانين والمثقفين البريطانيين الذين يتظاهرون يوميا وأسبوعيا في العاصمة البريطانية ضد البربرية الإسرائيلية التي لا يمكن لأي إنسان يعمل في مجال الفنون والثقافة، ولا لأي امرء مهموم بقضايا الإنسان في كل مكان، أن يتجاهلها أو يقف إزاءها ساكنا صامتا.. وكان يجب أن يعرف عادل إمام أن التظاهر السلمي شكل أصيل من أشكال التعبير الديمقراطي عن الرفض والغضب والاحتجاج. لكن عادل إمام لم يكتف حتى ولو بالصمت بل نطق كفرا، وكان عليه بالتالي أن يواجه غضب جمهوره وإزدراء التاريخ.
ولابد في النهاية أن الجمهور الذي سبق أن رفعه إلى ذروة النجاح وأتاح له تحقيق الثروة والجاه، سيتخلى عنه الآن، بل وقد آن الأوان لأن يضعه أيضا في المكان الذي يستحقه أمثاله.. وليبق عادل إمام "الواد سيد الشغال في خدمة الحكومة.. فهذه حقيقته، وهذا هو حجمه الحقيقي!

8 comments:

غير معرف يقول...

اشكرك علي هذه المقاله أستاذ امير لقد قلت كل ما بداخلي و أكثر أرجو منك ان تنشرها في البديل لكي تسمح لأكبر عدد من القراء قراءتها .

قلم جاف يقول...

أتفق مع ما قلت باستثناء نقطتين..

1-فكرة "اتهام" فيلم "السفارة في العمارة" بـ"انتقاد اليسار" كما لو كان هو القوة الوطنية الوحيدة في مصر فكرة مستفزة ومثيرة للغضب .. لا يفوقها استفزازاً وإثارةً للغضب إلا نفاق اليسار المصري وإظهاره بمظهر الملاك البريء الوطني الذي لا يخطئ.. بل وتضرب بانطوائها على فكرة "من ليس معنا فهو علينا" كل أمل لدى الناس في حياة أفضل إن وصل اليسار للحكم!

الحزبوطني وقلنا أطفال البيروقراط مسكوا في ديل السلطة وشبطوا فيها ولا يقبلون بالآخر ، طب ودول اللي بيقولولنا ديمقراطية وحرية وليبرالية بينما الاسم طوبة والفعل أمشير..

2-أليس من الظلم الفادح أن نضع بيض الكوميديا كله في سلة واحدة؟ وأن ننظر بكل هذا الاستعلاء للكوميديا كفن؟ لم يحتفِ أي ناقد أو كاتب عمود بـ"فطين عبد الوهاب" ولم يضعه كواحد من أشهر مخرجي القرن العشرين بينما رفع المؤدلجين منهم خَرَف "هشام أبو النصر" وتخلف "محمد كامل القليوبي" وعَتَه "إبراهيم عفيفي" في مصاف أعلى من موهبة "فطين" وروح "عيسى كرامة"؟

نفس العدائية مع الكوميديا إخراجاً أجدها على مستوى التمثيل ، فالكوميديان يوضع في مرتبة أقل من باقي الممثلين كما لو كان حارساً للمرمى في استفتاءات أفضل اللاعبين.. رغم أن من الكوميديانات المصريين ممثلون من العيار الثقيل لم تسمح لهم أعراف صناعة السينما والمسرح في وقتهم بإظهار إمكانياتهم.. "عبد المنعم مدبولي" عملاق التمثيل الذي أعاد "حسين كمال" اكتشافه في السينما "مولد يا دنيا" والمسرح "ريا وسكينة"..

غير معرف يقول...

إلى القارئ العزيز الذي أرسل باسم "قلم جاف" وهو اسم مدونة ليس فيها للأسف الاسم الصحيح للكاتب، وهي ملحوظة متكررة في الكثير جدا من المدونات التي يصدرها الشباب في مصر ربما خوفا من الملاحقة!
أتفق معك طبعا في أن الحركة الوطنية ليست اليسار لكن اليسار كان جزءا أساسيا في الحركة الوطنية وأنا من أشد منتقدي اليسار الانتهازي وسبق أن كتبت الكثيرا جدا في هذه المدونة وغيرها عن هؤلاء وبالإسم(كما في حالة اليسارجي جدا صلاح عيسى مثلا الذي عرفته منذ أكثر من 30 عاما بشكل شخصي).. ولكن السيار كفكرة أو كمبدا أو كتيار سياسي هو افضل مليون مرة مما وصلت إليه الأمور في مصر المحروسة حاليا بعد أن تأسلم الشباب بصورة كاذبة واصبح شخص تافه محدود العقل مثل عمرو خالد هو مرشدهم ومعلمهم وبعد أن انتهى الحلم بالعدالة الاجتماعية وأصبح يتركز في دخول الجنة بسبب وضع خرقة بالية على الرأس باسم الحجاب يفرضها الشباب الذي يستخدم الكومبيوتر على رءوس نسائهم بكل أسف حتى تراجع المظهر الحداثي لمصر وأصبحت أكثر إيغالا في التراجع لثقافة الصحراء الجافة من ايران، وأنا هنا أكتب صراحة وبدون أي موارة فيجب أن نسمي الاشياء بأسمائها..
ليس من حق عادل امام أو غيره أن يهيل التراب على تيار سياسي مهم في تاريخ مصر سواء يسار أم غيره، لحساب الحكومة الفاسدة.
هذه نقطة.. الأخرى انني اختلف معك تماما في أن هناك اي احتقار لدور الكوميديا أو الممثل الكوميدي.ز لقد كان نجيب الريحاني مختلفا تماما عن عادل امام.. الذي يدور حول نفسه من أكثر من 20 عاما، وموضوع مخرجي الكوميديا من الذي قال ان هناك تقليلا من شأنهم.. طبعا الموضوع أعمق وأشمل من أن يناقش هنا.. وأظن أن دراسة الكوميديا شئ مهم يستحق أن يخصص المرء له مقتا ويدرسه بجدية تامة..

غير معرف يقول...

عزيزي أستاذ أمير
بالفعل هذه مقالة غضب، من ضمن المسكوت، والأولى أن نقول المخروس عنه، أفلامه السمجة والتي إذا أردت أن تحكي عنها وعن مضامينها المرزولة دائما بدءا من البذاءة والتي ساعد حضرته على نقلها إلى الشارع من خلال اعتناق غالبية الشباب الروش له ولتفاهته وحتى الكذب الصريح باسم وكالته للغلابة من الجمهور لتلميع صورة نظام يدافع عنه دائماويستفيد منه أبدا..كعادتك تفتح ملفات كبيرة يحتاج الكلام فيها لوقت وفحص كثير،على أمل أن تفتح جرأتك شهية نقاد آخرين شرفاء لمراجعة قيمة هذا الرجل بعيدا عن الدعاية المدفوعة أو التملق الجبان. تحياتي ومحبتي

غير معرف يقول...

بداية كل سنة وحضرتك طيب

اشكر الظروف السعيدة التي عرفتني على مدونة حضرتك اليوم
فهي بحق كنز بالكتابات الرائعة التي تحتويها
وايضا بروابط المدونات الاخرى المتعلقة بالسينم.

أحببت ان اعبر لحضرتك عن امتناني وسعادتي البالغة باكتشاف مدونة حضرتك
خاصة المقال الخاص بنقد موقف المدعو عادل إمام الذي صدق أنه زعيم وجلس على كرسي غروره ليعلمنا كيف يكون لفقيري الموهبة موقف سياسي وهم يفتقرون اصلاً لأي موقف.

تحياتي

غير معرف يقول...

عزيزي أمير



بورك قلمك السيال التزاما وتحسسا بقضايا الوطن ومعاناة بني البشر، بورك قلمك ينبجس منه الألم نديا كنداوة جرح فلسطين. هي دعوة للفن الملتزم إذن في مواجهة البرابرة الذين يذبحون الطفولة وبراءتها، هي هبة أخلاقية تنطلق من وجع الروح في سبيل فعل اصطفاف مع القيم، هي صوت ضمير مصر خُطَّ بمداد القلم ودم القلب ودمع العين المنسكب حزنا على وقع حكايا الموت اليومي. مصر ستنهض من تحت ركام القمع وتدفع الليل وحشود كوابيسه بمقدم فجر تستعيد فيه موقعها ودورها، دور مصر التي طالما قرت بها قلوب العرب من كل حدب وصوب .. ملعون من ينكر على مصر دورها من غير أهلها، وملعون من يتنكر لهذا الدور من أهلها.



مع خالص تحياتي واعتزازي ومودتي،



خليل

غير معرف يقول...

الاخ الفاضل د. امير

اسعدني الحظ بمعرفة موقعك عبر رسالة من احد الاصدقاء. واشكرك على مقالتك وليتك تنشرها في صحيفة مصرية لمواجهة الابتذال والتفاهة التي تجعل من انصاف الموهوبين وضباط الامن والمخبرين مثقفين.
ووسط الغت الكثير، كتب احد الملتزمين موضوعا من فترة لعلك تراه جيدا:

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=187408

تحية لك ولموقعك الذي ساتصفحه بعناية
احمد مصطفى

غير معرف يقول...

الصديق الاستاذ أمير العمري

مجددا يقف قلمك سدا منيعا امام محاولة اختطاف الفن و تحويله اداة في خدمة حاكم او نظام
أهنئك على هذا الالتزام الوطني والقومي العالي
واشد على يدك متمنيا ان تبقى بالمرصاد لكل المتاجرين بدماء المظلومين

وشكرا

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger