الثلاثاء، 19 أغسطس 2008

المهرجانات السينمائية: أفكار وتساؤلات

لقطة من مهرجان روتردام


ماذا تقدم المهرجانات السينمائية العربية للسينما؟

بقلم: أمير العمري
amarcord222@gmail.com

لعل إحدى المشاكل البارزة في مهرجانات السينما العربية التي تتعدد وتتوالد على نحو كبير وبدون أي تخطيط أو معايير، أو حتى سبب في الكثير من الأحيان، هي أن هذه المهرجانات تركز كثيرا على فكرة التنافس على من يمكن لهذه المهرجانات جذبه من "نجوم" سينما العرب، وأنصاف نجوم سينما الغرب وما إلى ذلك.

فقد أصبح الممثل والممثلة أهم في بعض المهرجانات، من الفيلم نفسه، بل وأصبح وجود المخرج السينمائي أحيانا أمرا لا قيمة له. وقد شاهدت بنفسي كيف كان بعض المخرجين اللامعين الذين يفخر أي مهرجان بوجودهم، يكادوا أن يموتوا مللا وهم يذرعون بهو الفندق الذي يقيمون فيه، بسبب الإهمال بل والتجاهل التام من الصحافة والإعلام بل وممن يعتبرون أنفسهم من "النقاد"، الذين يفضلون جميعا، اللهاث وراء ممثلة محلية تجاوزت الخمسين مت عمرها، أو ممثلا هزليا صاعدا لا نعرف ما إذا كان الجمهور يضحك عليه أم على أفلامه.
أما الملفت أكثر للنظر، فهو أن الأغلبية العظمى من مهرجاناتنا العربية (في العالم العربي عموما) قد تولي اهتماما للأفلام، أي تهتم باستهلاك الأفلام، إلا أنها تهمل تماما دعم الأفلام.
نعم هناك كثير من الندوات والمؤتمرات والموائد المستديرة والمستطيلة التي تخصص لمناقشة "أزمة الإنتاج" "وطرق دعم الإنتاج" و"الإنتاج المشترك" والتنسيق بين "الشمال والجنوب". لكن لا أحد يكلف نفسه الاهتمام بوضع "آلية" محددة لدعم الإنتاج السينمائي الذي يتميز بجرأة تتجاوز السائد في السوق السينمائي، حتى لو جنح العمل إلى أقصى حدود التجريب، فبدون هذا التجريب لا تتطور السينما بل تظل تدور حول نفسها دون أن تجاوز الأساليب القديمة، في السرد أو في الإخراج.

الاهتمام بالدعاية
مهرجاناتنا السينمائية لا تهتم بدعم مشاريع لأفلام جديدة تمتلئ بالطموح وتكشف عن موهبة أصحابها، من خلال ورش الإنتاج ومسابقات السيناريو ومؤسسات راسخة تستطيع الحصول على التمويل من جهات متعددة، وتتمكن من الاستمرار في تمويل المشاريع السينمائية الجريئة (شريطة الاعتماد في الحكم على هذه المشاريع على لجان متخصصة من السينمائيين والخبراء من العالم الخارجي وليس على "شلل" المرتزقة والمنتفعين سيئة السمعة. فهذه المهرجانات يهمها أساسا الجانب الاحتفالي الاستعراضي الدعائي، والتفاخر الكاذب بأننا أصبحنا لا نقل عن مهرجان "كان" بعد أن نجحنا في فرش البساط الأحمر، وبعد أن ظهر السيد الوزير لكي يؤكد لنا أن "السينما فن يعمل من أجل بناء الإنسان" و"تطوير الذوق العام في المجتمع"، وهي بالطبع مقولات متكررة ومضحكة.. أسمعها منذ أن بدأت اهتمامي بالسينما، دون أن أدري عن أي إنسان حقا يتحدثون، وهل السينما تبني الإنسان؟ أو تبنيه عشرات الأشياء الأخرى.

لكن هناك من يقول لنا ببراءة: ولكن هل يدعم مهرجان "كان" إنتاج الأفلام؟ "عقدة كان" هذه تتجاهل أن مهرجان كان ليس مهرجانا يقام في دولة نامية تخلو اساسا من حركة سينمائية ونقدية، أو تعاني السينما فيها من حصار الرقابة والفكر المتزمت الذي ينتمي للقرون الوسطى، بل مهرجان أوروبي- دولي، يهتم بالترويج لما يختار عرضه من أفلام، ويكتشف الكثير من المواهب السينمائية الجديدة ويدعمها بشكل غير مباشر ويسلط الأضواء عليها، مما يساهم في الترويج لأفلامها التي تجد طريقها بسرعة للتوزيع والعرض في السوق الفرنسية والأوروبية، بل وتجد التمويل والدعم من شركات الانتاج الفرنسية. وانظروا مثلا حالة مخرج مثل البولندي الراحل كريستوف كيشلوفسكي مثلا.

مبدأ الدعم
عودة إلى موضوعنا الأساسي، نقول إن الملاحظ أنه خلال السنوات الأخيرة، أخذ عدد من المهرجانات السينمائية الدولية يقتفي أثر مهرجان روتردام السينمائي في عدم الاكتفاء بالعروض والاحتفالات، وتنظيم دعم مباشر لأفلام "أجنبية" أي غير هولندية، وبطريقة علمية لها أسسها وقواعدها، من خلال مؤسسة "هيوبرت بالس" التي تأسست في روتردام عام 1988 وأصبحت تقدم دعما ماليا لأفلام قطع مخرجوها شوطا في الإنتاج لكنهم لا يستطيعون استكمالها، على شرط أن تتميز بالطموح الفني والابتكار وتكشف عن مواهب سينمائية حقيقية من "البلدان النامية" (حسب بيان إنشاء المؤسسة).
وهي تقدم أيضا منحا مالية لاستكمال العمليات الفنية التي تعقب التصوير، ودعما للأفلام التسجيلية، ودعما ماليا لتوزيع هذه الأفلام في السوق الهولندية. وإضافة إلى هذا، تعمل المؤسسة على إقناع المنتجين الهولنديين بتبني مشاريع مشتركة للإنتاج السينمائي مع منتجين من القارات الثلاث وأوروبا الشرقية.
مهرجان أمستردام ومهرجان جوتنبرج اتبعا سياسة مماثلة في دعم الأفلام التسجيلية من خارج أوروبا. واتبع مهرجان لوكارنو ما أطلق عليه "الإنتاج المشترك المفتوح الأبواب" لمساعدة ما يطلقون عليه تأدبا "سينما البلدان النامية"، وخصص مهرجان برلين قبل 4 سنوات ما أطلق عليه "صندوق دعم سينما العالم". وها هو مهرجان فيينا يعلن عن برنامج "لأمل الجديد المتوج" للغرض نفسه.
إلا أن كثيرين في هذه الدول بدأوا في الفترة الأخيرة، في طرح تساؤلات حول جدوى تمويل أفلام العالم الثالث، خاصة وأنهم يعرفون أنها تتعرض لانتقادات شديدة محلية تتهم صناع هذه الأفلام بتبني قوالب وأنماط ترضي مموليهم في الغرب، أكثر مما تتفق مع الواقع.

الرقابة
غير أن هناك من يدافعون عن سياسة دعم "أفلام العالم" متعللين بأن السينمائيين من العالم النامي أصبحوا في أشد الحاجة للعثور على وسيلة تفتح الأبواب أمام أفلامهم لكي تصل إلى الجمهور في الغرب، أو في العالم عموما، بعد ان ضيقت الرقابة عليهم في بلادهم، وجعلت استمرارهم في العمل أمرا بالغ الصعوبة، وهذا هو على سبيل المثال، حال المخرج الإيراني (الكردي) بهمن قبادي الذي منع من العمل نهائيا بعد ظهور فيلمه الأخير "تسلل"، والمخرج الصيني لو يي الذي منع من العمل في بلاده لخمس سنوات بعد أن عرض فيلمه في مهرجان "كان" دون إذن من السلطات!

نظرية المؤامرة

المدافعون عن استمرار التمويل يقولون أيضا إن هناك احتياجا لدى الجمهور في الغرب للإطلاع على أفلام تمثل ثقافات لا يعرفون عنها كثيرا، كما تتيح لهم هذه الأفلام الفرصة للوقوف على تجارب جديدة في الإبداع.
ولا يجب أن يتصور أحد أن القضية محسومة ببساطة بسبب وجود "مؤامرة إمبريالية صهيونية" لتدميرالسينمائيين من العرب والعالم الثالث عن طريق تمويل بعض الأفلام. فهناك في هولندا مثلا، من يطالبون بالتركيز على دعم الإنتاج السينمائي الهولندي (المهمل تماما- كما يقولون) بدلا من تقديم الدعم لـ "الأجانب".
وإذا كنا ننفي وجود "مؤامرة" في هذا المجال، إلا أننا لا ننفي وجود بعض السينمائيين من العالم العربي والعالم الثالث، يميلون متطوعين إلى تقديم ما يتصورون أنه يشبع ذوق الجمهور الغربي عند تناول مواضيع معينة. فهناك من يميلون إلى الإفراط في "الفولكلور" بصورة مجانية، واللجوء إلى قوالب وأنماط من الشخصيات يعرفون أنها تجد لها صدى لدى المتفرجين الغربيين بسبب اتساقها مع الصور التي تعرض يوميا على شاشة التليفزيون للقتل والتفجيرات واضطهاد المرأة، والتفرقة الدينية، والقمع المنظم، وتدني الخدمات إلى درجة مثيرة للقرف، ولكن تقديم هذه الأنماط والقوالب، لا يتم بالطبع من خلال تحليل موضوعي رصين يقرأ ما يجري تحت جلد الواقع ويفهمه، بل بغرض "تسويق" التخلف والاستفادة منه أيضا إذا أمكن. والاختيار بالطبع متروك للسينمائي نفسه: أن يكون لديه الاستعداد من البداية لتقديم تنازلات معينة أو لا يكون.
وهناك ايضا من يلجأون إلى استخدام أشكال سينمائية تتحرر تماما في السرد، لكنها تنتهي إلى "فوضى" درامية، تجعلك تتحسر على ما أنفق عليها من أموال، وهي أفلام عادة ما تدفع جمهور الدولة الممولة إلى الفرار من قاعة العرض.
وهذا ما حدث تحديدا خلال عرض فيلمين هما "دبليو دبليو دبليو. ياله من عالم رائع" المغربي، وفيلم "روما ولا أنتما" الجزائري خلال مهرجان فينيسيا السينمائي 2007. وهو موضوع سأناقشه في مقال قادم.

2 comments:

غير معرف يقول...

مما لا شك فيه ان هناك تدنى فى مستوى المهرجانات العربيه فلدينا فى مصر مهزله تدعى مهرجان القاهرة اعتقد انه لافائدة له على اى مستوى ,و لكنى مع ذللك ارفض شكل الوصايه التى تتخذها المهرجانات عى دول العالم الثالث فهم ابدا لن يحررونا من الرقابه بلنحن من سيحرر انفسنا!

غير معرف يقول...

i would like to thank you first for your informative blog that somehow replaces the need for an arabic cinema magazine specialy with the lack of freedome of expression that is widely existing in our societies. what i would like to share here is the issue of geting european funds for arab filmmakers to help them achieve their projects and i am merely asking questions more than giving answers. in a country like egypt where we produce an average of 50 films per year , do we realy lack the fund to make films or is it more the case that the films that some filmmakers would love to make arent fundable because they do not comply with the rest of the pact , they arent comercial enough. isnt it true that cinema in particular and art in general are the mirror of their societies ? and since those 50 films are in fact comercialy successful. . isnt that an indication that they miror the mood and aspiration of our society ? so why are we seeking foreign funds ? to make films that cant be made with local money ? for viewers that dont care to see them in the first place ? isnt it more logical to make very low budget films with the means we have than run endlessly for funds that may or may not come ? mentioning the above i need to admit that i made 2 no budget films and when i wrote freely without thinking of the budget as an issue i wrote a film that will definitly need a foreign budget. . . so i am writing the above as a refernce i can come back to one day if i manage to get the fund or not and if i manage to make the film i am dreaming to make or not. ibrahim el batout 20th of august 2008.

جميع الحقوق محفوظة ولا يسمح بإعادة النشر إلا بعد الحصول على إذن خاص من ناشر المدونة - أمير العمري 2020- 2008
للاتصال بريد الكتروني:
amarcord222@gmail.com

Powered By Blogger